حمص - الوعر - القصر العدلي

الدفع بعدم دستورية التشريعات

نقابة المحامين
فرع حمص

الدفع بعدم دستورية التشريعات في معرض الطعن بالأحكام القضائية,
وصلاحية المحكمة الدستورية العليا.

بحـــث قانـــوني
من إعــــداد

رئيس فرع نقابة المحامين بحمص
المحامي
ســـليمان رضـــوان

تمهيـــد
ورد في مقدمة الدستور الجديد للجمهورية العربية السورية أن هذا الدستور جاء تتويجاً لنضال الشعب على طريق الحرية والديمقراطية, وتجسيداً حقيقياً للمكتسبات, واستجابة للتحولات والمتغيرات, ودليلاً ينظم مسيرة الدولة نحو المستقبل, وضابطاً لحركة مؤسساتها, ومصدراً لتشريعاتها. وذلك من خلال منظومة من من المبادئ الأساسية تكرس الاستقلال والسيادة, وحكم الشعب القائم على الانتخاب والتعددية الحزبية والسياسية, وحماية الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي, والحريات العامة, وحقوق الإنسان, والعدالة الاجتماعية, والمساواة, وتكافؤ الفرص, والمواطنة وسيادة القانون, يكون فيها المجتمع والمواطن هدفاً وغاية يُكرس من أجلها كل جهد وطني, ويعد الحافظ على كرامتها, ومؤشراً لحضارة الوطن وهيبة الدولة.
البحث في دستورية القوانين هو بحث شائك في مفهومه ومضامينه وذلك ناشئ عن كونه القانون الأساسي للدولة، القانون الذي يجب أن تتمحور حوله كافة التشريعات التي تصدر وبحيث لا يخرج أي نص تشريعي عن المبادئ التي أقرها الشعب بموجب الدستور النافذ.
ولقد أصبحت عبارة دستورية القوانين بحسب الاستخدام الشائع: نهج من النظام, حيث الحكم يخضع لحدود صارمة من الرقابة الدائمة, ومظهراً رئيسياً من مظاهر التطور السياسي للدولة المعاصرة.
الدستور إذن هو وثيقة سياسية أساسية لتنظيم العلاقة ما بين الدولة والمواطنين, والضابط لكيفية عمل السلطات داخل الدولة, والحامي للمبادئ الأساسية حول تكوين هذه السلطات, وحقوق المواطنين وحرياتهم السياسية والمدنية. وفي الخلاصة هو الوثيقة الأساسية التي تشتمل على مجموعة القواعد التي تنظم تأسيس السلطة, وانتقالها وممارستها.
الدستور الجديد للجمهورية العربية السورية الذي أصدره السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد إثر استفتاء شعبي نال فيه أغلبية عالية من المؤيدين, أضحى نافذاً منذ تاريخ إصداره. هذا الدستور إذ أوجد قواعد أو مبادئ عالية الدقة افترض أن بعض التشريعات القائمة قبل نفاذه تشتمل على نصوص قد تخالفه, وهو إذ أجاز بقاءها نافذة إلى أن تعدل, فقد أعطى مهلة لهذا التعديل وهي ثلاث سنوات كحد أقصى من تاريخ نفاذه. من هنا وتحديداً من نصوص المادة /154/ من الدستور نجد مدخلنا إلى البحث الموضوعي سيما وأن المهلة الدستورية قد انتهت في وقت لا تزال التشريعات التي كانت قائمة قبل إقرار الدستور نافذة, ما يدعونا للبحث بدستورية القوانين وصلاحيات القضاء في ظل ما استجد من تشريعات تخوله التصدي لهذا الموضوع, أو تحجب عنه هذا الحق.

المهلة الدستورية لتعديل التشريعات
نصت المادة /154/ من الدستور على ما يلي: تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إقرار هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تعدل بما يتوافق مع أحكامه, على أن يتم التعديل خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات ميلادية.
الدستور أصدره السيد رئيس الجمهورية بالمرسوم التشريعي رقم /21/ تاريخ 16/2/2012 وأصبح نافذاً اعتباراً من تاريخ 27/2/2012 وعليه فإن المهلة الدستورية لتوفيق أحكام التشريعات النافذة قبل إقراره تبدأ بتاريخ 27/ 2 /2012 وتنتهي حكماً بغاية يوم 27/ 2 /2015
يترتب على ذلك أنه أصبح من حق كل ذي مصلحة أن يتمسك بالمبادئ والقواعد الدستورية التي أقرها الدستور النافذ بمواجهة أي نص يخالفه من النصوص الواردة في التشريعات السابقة لإقراره. هذا فضلاً عن الحق المطلق لكل ذي مصلحة بالتمسك بعدم دستورية أي نص قانوني يخالف أحكام الدستور حتى ولو كان صادراً في ظل نفاذه. وهنا نطرح السؤال التالي: ما هو سبيل أصحاب المصلحة للدفع بعدم دستورية نص قانوني؟ ذلك يستدعينا لإعادة القراءة, في الدستور السابق والدستورالحالي.
الاعتراض على دستورية القوانين بموجب دستور عام 1973
جاء في المادة /146/ من الدستور السابق أن المحكمة الدستورية العليا تنظر وتبت في دستورية القوانين وفقاً لما يلي:
1. إذا اعترض رئيس الجمهورية أو ربع أعضاء مجلس الشعب على دستورية قانون قبل إصداره.
2. إذا اعترض ربع أعضاء مجلس الشعب على دستورية مرسوم تشريعي خلال مدة خمسة عشر يوماً اعتباراً من انعقاد دورة المجلس.
3. إذا قررت المحكمة الدستورية العليا مخالفة القانون أو المرسوم التشريعي للدستور يعتبر لاغياً ماكان مخالفاً فيها لنصوص الدستور بمفعول رجعي ولايرتب أي أثر.
أما القانون رقم /19/ لعام 1973 المتضمن أحداث المحكمة الدستورية العليا والذي كان معمولاً به في ظل نفاذ الدستور السابق فقد حددت المادة /14/ منه صلاحية المحكمة بالنظر في دستورية القوانين وفقاً لمايلي:
1. دستورية القوانين قبل إصدارها بناء على طلب رئيس الجمهورية, أو ربع أعضاء مجلس الشعب.
2. دستورية المراسيم التشريعية بناء على طلب من ربع أعضاء مجلس الشعب.
3. دستورية مشروعات القوانين والمراسيم التشريعية بناء على طلب رئيس الجمهورية.
4. قانونية مشروعات المراسيم بناء على طلب رئيس الجمهورية.
مما تقدم يتضح أنه لم يكن للمحكمة الدستورية العليا في ظل نفاذ الدستور السابق اختصاص بالنظر في الاعتراضات التي يقدمها الأشخاض الطبيعيون, أو الإعتباريون بعدم دستورية نص قانوني, أو بمخالفة نص قانوني لقاعدة أو مبدء دستوري نافذ.
هنا نجد من ضرورات البحث الموضوعي استعراضاً موجزاً للموقف القضائي السوري بخصوص دستورية القوانين في ظل نفاذ الدستور السابق على اعتبار أن حق التقاضي بحد ذاته هو حق دستوري وفقاً لما نصت عليه المادة /28/ من الدستور السابق.
الموضوع إياه أثير فعلاً أمام القضاء الذي ميز مابين حالة التصدي لدستورية القانون عن طريق الدعوى والتي هي ممنوعة عليه لعدم وجود نص قانوني يجيز له ذلك, وبين حالة التصدي لعدم الدستورية عن طريق الدفع بالإمتناع عن تطبيق النص القانوني المخالف للدستور. وكانت البداية بالقرار الصادر عن محكمة النقض ـ الغرفة المدنية الأولى رقم 334/697 تاريخ 22/4/1974 والذي جاء فيه:
(من حيث أنه إذا كان يمتنع عن القضاء التصدي لدستورية القوانين عن طريق الدعوى لانتفاء النص الذي يخوله هذا الحق, إلا أنه ليس ما يمنعه من التصدي لذلك عن طريق الدفع بالإمتناع عن تنفيذ القانون المخالف للدستور في الدعوى الماثلة أمامه, ولا يعتبر ذلك تعدياً من القضاء على سلطة التشريع مادامت المحكمة لا تضع بنفسها قانوناً, ولا تقضي بإلغاء قانون, ولا تأمر بوقف تنفيذه, وغاية الأمر أنها تفاضل بين قانونين قد تعارضا فتفصل في هذه الصعوبة بحكم وظيفتها القضائية, وتقرر أيهما الأولى بالتطبيق, وإذا كان القانون العادي قد أهمل فمرد ذلك في الحقيقة إلى سيادة الدستور العليا على سائر القوانين, تلك السيادة التي يجب أن يلتزمها كل من القاضي والشارع على حد سواء, بحسبان أن الدستور يتميز عن سائر القوانين بما له من طبيعة خاصة تضفي عليه صفة العلو وتسمه بالسيادة لأنه كفيل الحريات وموئلها, ومناط الحياة الدستورية ونظام عقدها.)
بعد ذلك عرض موضوع مماثل على الهيئة العامة لمحكمة النقض فأصدرت القرار رقم /16/ تاريخ 8/5/1978 المنشور في مجلة المحامون لعام 1978 بالقاعدة رقم /448/ صفحة /333/ اجتهاد والذي خلص إلى القاعدة التالية:
(إن حرمان الأفراد من حق التقاضي يتعارض مع المبادئ القانونية العامة, والحقوق الطبيعية للإنسان, والمبادئ الدستورية المستقرة في ضمير الجماعة البشرية, مما يجعل القاضي غير ملزم بتطبيق نص يتعارض مع الحق المذكور.)
ذلك هو الموقف القضائي السوري مكللاً باجتهاد الهيئة العامة لمحكمة النقض التي تعتبر قراراتها بمثابة القانون واجبة التطبيق , ومخالفتها تعتبر كمخالفة نص قانوني لازم التطبيق, وتلك هي حال المحكمة الدستورية العليا في ظل نفاذ دستور عام 1973 أما واقع الحال في ظل دستور عام 2012 فهو ما سنعرضه فيما يلي:
الاعتراض على دستورية القوانين بموجب دستور عام 2012
ما من شك في أن لكل دستور مستجداته, ولكل تشريع مستجداته أيضاً استخلاصاً من تجارب الماضي وحاجات اليوم وضمن هذا الإطار أصبح الاعتراض على دستورية القوانين بموجب الدستور الجديد والقانون الجديد للمحكمة الدستورية العليا مختلفاً عما كان عليه سابقاً وقد تجلى هذا الاختلاف بإقرار مبدأين جديدين:
أولهما: هو إقرار حق خمس أعضاء مجلس الشعب بالاعتراض على دستورية القانون بدلاً من ربع الأعضاء في الدستور السابق.
وثانيهما وهو الأهم: هو حق الخصوم في الدعوى القضائية بالدفع بعدم دستورية القانون , وذلك لم يكن منصوص عليه في الدستور السابق, ولعلنا نستعرض الأحكام الناظمة لذلك في الدستور وقانون إحداث المحكمة الدستورية العليا المستند للدستور الجديد إياه.
جاء في المادة /147/ من الدستور ما يلي:
تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية القوانين على النحو الآتي:
1. النظر بعدم دستورية قانون والبت فيه وفقاً لما يلي:
أ ـ إذا اعترض رئيس الجمهورية أو خمس أعضاء مجلس الشعب على دستورية قانون قبل إصداره, يوقف إصداره إلى أن تبت المحكمة فيه خلال مدة خمسة عشر يوماً من تاريخ تسجيل الاعتراض لديها, وإذا كان للقانون صفة الاستعجال وجب على المحكمة أن تبت فيه خلال مدة سبعة أيام.
ب ـ إذا اعترض خمس أعضاء مجلس الشعب على دستورية مرسوم تشريعي خلال مدة خمسة عشر يوماً تلي تاريخ عرضه على مجلس الشعب, وجب على المحكمة أن تبت فيه خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تسجيل الاعتراض لديها.
ج ـ إذا قررت المحكمة مخالفة القانون أو المرسوم التشريعي أو اللائحة للدستور عدَّ لاغياً ما كان مخالفاً منها لنصوص الدستور بمفعول رجعي, ولا يترتب أي أثر.
2. النظر في الدفع بعدم دستورية قانون أو البت فيه وفقاً لما يأتي:
أ ـ إذا دفع أحد الخصوم في معرض الطعن بالأحكام بعدم دستورية نص قانوني طبقته المحكمة المطعون بقرارها, ورأت المحكمة الناظرة في الطعن أن الدفع جدي ولازم للبت في الطعن, أوقفت النظر في الدعوى وأحالت الدفع إلى المحكمة الدستورية العليا.
ب ـ على المحكمة الدستورية العليا البت في الدفع خلال مدة ثلاثين يوماً من تاريخ قيده لديها.
أما القانون رقم /35/ لعام 2012 المتضمن إحداث المحكمة الدستورية العليا فقد جاء في المادة /16/ منه ما يلي:
تختص المحكمة الدستورية بما يلي:
1. دستورية القوانين قبل إصدارها بناء على طلب رئيس الجمهورية أو خمس أعضاء مجلس الشعب.
2. دستورية المراسيم التشريعية بناء على طلب خمس أعضاء مجلس الشعب.
3. دستورية مشروعات القوانين والمراسيم التشريعية بناء على طلب رئيس الجمهورية.
4. قانونية مشروعات المراسيم بناء على طلب رئيس الجمهورية.
5. البت في الدفوع المحالة من المحاكم في معرض الطعن بالأحكام بعدم دستورية نص قانوني.
تلك النصوص الناظمة للاعتراض على دستورية القوانين أو بعض نصوصها وإنه لمن أكثر ما يعنينا بصدد هذا البحث هو الدفع بعدم الدستورية طعناً بالأحكام القضائية وهو الموضوع الأكثر إلحاحاً سيما و أن المهلة الدستورية لتوفيق أحكام التشريعات القائمة مع أحكام الدستور قد انتهت ولم نلاحظ إعادة للنظر في هذه التشريعات حتى الآن. هنا لابد من التعرف على مفهوم الطعن بالأحكام أولاً, والتفريق بين الأحكام القضائية والقرارات القضائية ثانياً.

طرق الطعن في الأحكام
أفرد المشرع بقانون أصول المحاكمات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /84/ لعام 1953 باباً خاصاً بالطعن في الأحكام هو الباب التاسع, حدد بموجبه طرق الطعن بثلاثة فصول هي الفصول التالية:
الفصل الثاني: الإستئناف.
الفصل الثالث: إعادة المحاكمة.
الفصل الرابع: النقض.
وبالتالي فإن طرق الطعن في الأحكام بموجب القانون إياه هي الطرق الثلاث المشار إليها.
إما في قانون أصول المحاكمات الجزائية فإن المشرع كان له توجه آخر فهو إذ لم يخصص باباً للطعن بالأحكام القضائية فإنه أورد نصوصاً تقضي بالطعن استئنافاً بالأحكام في الأبواب المخصصة لأصول المحاكمات لكل محكمة من المحاكم وأفرد باباً خاصاً للطعن بالنقض هو الباب الحادي عشر.
وفي القضاء الإداري هناك طريق واحد للطعن بالأحكام هو الطعن الواقع على الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى التي هي, المحكمة المسلكية والمحكمة الإدارية, ومحكمة القضاء الإداري, ومرجع الفصل في هذه الطعون المحكمة الإدارية العليا التي تصدر أحكامها مبرمة.
التمييز بين القرار القضائي والحكم القضائي.
أولاًـ في قانون أصول المحاكمات المدنية.
يبدو أن المشرع أطلق تسمية الأحكام القضائية على ما يصدره القضاء المدني من أحكام سواء أكانت قرارات إعدادية, أو تمهيدية, أو ولائية, أو قرارات القرينة, أو أحكام فاصلة في النزاع وذلك بدليل ما نصت عليه المادة /220/ منه والتي جاء فيها:
1. لايجوز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى إلا مع الطعن في الحكم المنهي للخصومة كلها.
2. لايجوز الطعن في الحكم الصادر بوقف الدعوى, وفي الأحكام المؤقتة قبل الفصل في الموضوع.
الواضح مما تقدم أن القرارات الإعدادية والتمهيدية والولائية وقرارات القرينة لا تقبل الطعن ويبقى الطعن مباشراً في الأحكام المنهية للخصومة فقط.
جدير بالذكر أن ماينطبق على القضايا المدنية بهذا الخصوص, ينطبق أيضاً على القضاء الإداري.
ثانياًـ أصول المحاكمات الجزائية:
فرق المشرع في قانون أصول المحاكمات الجزائية مابين محاكم الموضوع والدوائر القضائية, فالدوائر القضائية تصدر قرارات في كافة المراحل كما هو الحال في دائرة التحقيق والإحالة ولا تصدر أحكاماً قضائية ذلك أن دورها يقتصر على جمع المعلومات وإصدار القرارات بإحالة القضايا إلى محاكم الموضوع أو الإتهام أو اتخاذ القرار بمنع المحاكمة وذلك ما نصت عليه المواد /3 و 60 و 61/ من قانون السلطة القضائية و /149 ـ 155/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية. هذا ولا يغير من طبيعة القرار كونه يصدر قابلاً للطعن استئنافاً أو نقضاً, فهو في كل الأحوال لايرقى إلى درجة الحكم.
أما الأحكام القضائية فهي تلك التي تصدرها محاكم الموضوع متضمنة الفصل في أساس النزاع وهذا لايعني أنها لاتصدر قرارات بل تصدر من القرارات ما هو إعدادي أو تمهيدي أو غير ذلك إلا أن المشرع حصر حق الطعن بها مع الطعن بالحكم الفاصل بالنزاع وذلك مانصت عليه المادتان /212 و 213/ أصول جزائية حيث جاء فيهما:
المادة /212/ تقبل الطعن بطريق الاستئناف:
1. الأحكام الفاصلة بأساس الدعوى
2. الأحكام الصادرة بعدم الاختصاص أو برد الدعوى لسقوطها بالتقادم, أبغير ذلك من الأسباب.
3. القرارات الصادرة برد الدفع بعدم الاختصاص.
المادة /213/ وقد نصت على مايلي:
فيما خلا الأحكام والقرارات المذكورة في المادة السابقة لايقبل استئناف القرارات الصادرة برد الدفع بعدم سماع الدعوى بسقوطها بالتقادم أو بغير ذلك من الأسباب, والقرارات الإعدادية وقرارات القرينة وغيرها من القرارات التي تصدر أثناء السير في الدعوى إلا بعد صدور الحكم في الأساس ومع هذا الحكم.
هذا وللطعن بالنقض باب خاص به هو الباب الحادي عشر من القانون إياه.
بعد هذا العرض لطرق الطعن والتمييز ما بين القرار القضائي غير المقصود بنص المادة /147/ من الدستور والحكم القضائي الذي هو الحكم الفاصل في أساس النزاع, والمنهي للخصومة والذي هو المقصود بالنص المشار إليه. نعود للبحث بالدفع بعدم الدستورية وصلاحية المحكمة الناظرة بالطعن.
الدفع بعدم الدستورية وصلاحية المحكمة الناظرة بالطعن
لضرورة البحث نعود إلى قراءة الفقرة /أ/ من المادة /147/ من الدستور الحالي التي نصت على مايلي:
(إذا دفع أحد الخصوم في معرض الطعن بالأحكام بعدم دستورية نص قانوني طبقته المحكمة المطعون بقرارها, ورأت المحكمة الناظرة في الطعن أن الدفع جدي ولازم للبت بالطعن، أوقفت النظر في الدعوى وأحالت الدفع إلى المحكمة الدستورية العليا.)
نستخلص من هذا النص النتائج التالية:
1. إن الدستور حجب عن محاكم الدرجة الأولى البحث بدستورية النصوص القانونية حتى ولو دفع بذلك أحد أطراف الدعوى.
2. أن الدستور حجب عن المحكمة الناظرة بالطعن حق البحث بعدم دستورية النص القانوني من تلقاء ذاتها, ولابد من دفع يتعلق بذلك للبحث في جديته من عدمها بمعنى أن عدم دستورية النص القانوني لم يعد من النظام العام.
3. الدستور أعطى للمحكمة الناظرة بالطعن صلاحية مطلقة لتقرر ما إذا كان الدفع بعدم الدستورية هو دفع جدي أو غير جدي, وبناءً عليه تحيل الدفع للمحكمة الدستورية العليا أو تمتنع عن إحالته.
هذه الصلاحية ستكون بالتأكيد موضع خلاف عميق بين المحاكم بحسب تباين الاجتهاد القضائي, فما تراه محكمة أنه دفع جدي, قد لا تراه محكمة أخرى حتى لو تعلق ذلك بالنص القانوني ذاته.
4. المحكمة الناظرة بالطعن إذ هي لا تمتلك حق القول بعدم موافقة النص للدستور. فإنها تملك حق تقرير عدم جدية الدفع, وعليه تقول ضمناً بصلاحيتها في تقرير موافقة النص للدستور, وإلا كيف لها أن تطبق نصاً قانونياً وقع الاعتراض على دستوريته؟.
أما السؤال الذي يطرح نفسه ويمكن أن يكون مثار جدل أيضاً هو المتعلق بعبارة (الدفع بعدم الدستورية في معرض الطعن بالأحكام) وهل ينصرف ذلك إلى أسباب الطعن, بمعنى أنه إن لم يرد هذا الدفع بأسباب الطعن لا يمكن لذي المصلحة إثارته لاحقاً؟. أم أنه يفسر بإسلوب آخر بحيث يعطي الحق للطاعن بالدفع بعدم الدستورية أثناء النظر بالطعن الواقع على الحكم المطعون فيه؟.
حقيقةً إذا عدنا لدقة التعابير الواردة في النص الدستوري نجد أنها تضمنت ما يلي :
1. النص انصب على عبارة الدفع ولم يأت على ذكر الأسباب والمألوف أن الدفوع تقدم في كافة مراحل التقاضي إلى ما قبل قفل باب المرافعة.
2. إن عبارة في معرض الطعن هي أكثر شمولاً من عبارة أسباب الطعن.
لما تقدم فإننا نميل إلى اتجاه يقول بحق الطاعن ذي المصلحة بأن يتقدم بدفع لاحق للطعن يثير فيه عدم دستورية النص سواء أكانت المحكمة الناظرة بالطعن هي محكمة الاستئناف أو محكمة النقض بشرط أن يرد هذا الدفع قبل قفل باب المرافعة إن كانت المحكمة الناظرة بالطعن محكمة موضوع, وقبل البت بالطعن إن كانت محكمة قانون.
الآثار المترتبة على عدم توفيق أحكام التشريعات مع أحكام الدستور الجديد
سبق وأشرنا إلى أن المهلة الدستورية لتوفيق أحكام التشريعات الصادرة قبل إقرار الدستور الجديد مع أحكامه قد انتهت دون وضع هذه التشريعات موضع التعديل. وإن الدستور إذ افترض وجود نصوص قانونية تخالف أحكامه في بعض التشريعات النافذة, وإذ لم يكن بوسع ذوي المصلحة إثارة الدفع بعدم دستوريتها قبل انتهاء المهلة المحددة في المادة /154/ من الدستور التي هي ثلاث سنوات من تاريخ إقراره كحد أقصى. فإنه وبعد انتهاء المهلة المشار إليها أضحى من حق كل ذي مصلحة من أطراف النزاع القضائي الدفع بعدم الدستورية في معرض الطعن بالأحكام القضائية وفقاً لما نصت عليه المادة /147/ من الدستور. وبالتالي علينا أن نتوقع المزيد من الطعون التي تنطوي على دفع من هذا القبيل, سواء تلك الواقعة على الأحكام القضائية في القضاء العادي, أوفي القضاء العسكري, أوفي القضاء الإداري. بما يجعلنا نتصور النتيجتين التاليتين:
1. تراكم القضايا أمام المحكمة الدستورية العليا بما قد يشكل عبئاً ثقيلاً عليها يتعذر معه البت في تلك الدفوع خلال الأيام الثلاثين المنصوص عليها في الفقرة /هـ/ من المادة /18/ من قانون إحداثها. خاصة إذا ما لاحظنا أنها محكمة واحدة, وأن اختصاصاتها الأخرى متعددة وفقاً لما نصت عليه المادة /16/ من قانون إحداثها.
2. سرعة الإنجاز القضائي هي جزء من عدالة الحكم, ووقف السير في الدعوى ريثما يبت في الدفع بعدم الدستورية, سيؤدي بالضرورة إلى إطالة أمد التقاضي, وإلى إطالة أمد البت في الطعون, ذلك أن المحكمة الناظرة في الطعن تضطر لتدقيق الدعوى عدة مرات إحداها للبت بجدية الدفع الدستوري والأخرى عند عودة الجواب من المحكمة الدستورية العليا وأخير الفصل في الدعوى. هذا من جهة, ومن جهة أخرى هناك زمن غير قليل في إجراءات الدواوين سواء لدى المحكمة الناظرة بالطعن أو المحكمة الدستورية العليا وكل ذلك قد يحتاج لأشهر عديدة تؤدي لتأخير الفصل بالقضايا وتلحق ضرراً بالطرف ذي المصلحة بسرعة التقاضي.
إننا إذ نعزو ذلك إلى التأخير في توفيق أحكام التشريعات مع أحكام الدستور. فإننا لنلاحظ الكثير من القواعد القانونية التي تخالف أحكام الدستور. وإننا إذ لا نرغب في هذا البحث الموجز تعدادها فنجد من المناسب الإشارة إلى قواعد عامة في ذلك مستخلصة من واقع التشريعات النافذة ومنها:
1. سلطات الدولة ثلاث هي: السلطة التشريعية, والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية, وعليه فإن مبدأ فصل السلطات هو مبدأ دستوري وفقاً لما نص عليه الباب الثالث من الدستور, ما يجعل كل تجاوز من إحدى السلطات على أعمال سلطة أخرى مخالف للدستور.
2. كل تدخل من السلطة التشريعية في الصلاحية الموضوعية للقضاة مخالف لمبدأ فصل السلطات ومن ذلك على سبيل المثال:
أ ـ حجب الصلاحية عن القضاة بمنح الأسباب المخففة التقديرية.
ب ـ حجب الصلاحية عنهم في وقف تنفيذ الأحكام الجزائية.
ج ـ حجب الصلاحية عنهم في إخلاء السبيل.
3. المصادرة العامة للأموال ممنوعة وفقاً لأحكام الفقرة /أ/ من المادة /15/ من الدستور.
4. اقتطاع الربع المجاني في بعض حالات الاستملاك مخالف لأحكام الفقرة /ب/ من المادة /15/ من الدستور.
5. النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء ممنوع عملاً بأحكام الفقرة /4/ من المادة /50/ من الدستور.
والأمثلة على ذلك كثيرة, ما يجعلنا نتوقع المزيد من الطعون المشتملة على دفع بعدم الدستورية.
لذلك وبما أن تطور الأزمان يقتضي بالضرورة تطوير التشريعات بما يتناسب مع تطورات ومستجدات العصر, وكانت التشريعات القائمة قبل إقرار الدستور هي بطبيعتها تحتاج إلى إعادة نظر فكيف إذا كان في نصوصها ما يخالف دستوراً نافداً وعلى ذلك نخلص إلى المقترح التالي:

المقتــرح
1. تشكيل لجنة متخصصة لإعادة النظر في كل تشريع قائم قبل نفاذ الدستور الجديد.
2. مشاركة السلطات الثلاث, التشريعية والتنفيذية والقضائية في هذه اللجان.
3. مشاركة كبار الأساتذة من المحامين المتمرسين في العمل القضائي والتشريعي في هذه اللجان.
4. مشاركة نخبة من أساتذة الجامعات في هذه اللجان وعلى الأخص الأساتذة في كليات الحقوق من ذوي الاختصاصات التشريعية والدستورية.
وفي الختام نتمنى أن نكون موفقين فيما عرضناه وأن يلقى مقترحنا القبول لدى الجهات المعنية, والله الموفق.
والســـلام
حمص في /3/2015
رئيس فرع نقابة المحامين بحمص
المحامي
سليمان رضوان