حمص - الوعر - القصر العدلي

بحث محاكمة المتهم الفار

نقابــــــــــــة المحاميـــــــــــن

     – فـرع حمـص –

     =========  

 

 

 

 

 

محاكمــــــــة المتهـــــــم الفــــــــــــار

إجــراءات عـديـدة وزمـن طويـل وتنفيـذ عســـير

بحـــث قانونــــي مــن إعــــــداد

رئيـس فـرع نقابـة المحاميـن بحمــص

المحامـــــي

ســـــــليمان رضـــــــــوان

 

 

 

 

 

 

مقدمـــــــــــــــــه

================

 

الحكم الغيابي المقصود في هذا البحث ، هو ذلك الحكم الذي تصدره محكمة الجنايات في جناية بغياب المتهم وبعد استنفاذ كافة الإجراءات التي حددها المشرع لمحاكمة المتهم الفار بموجب المواد       / 322 / وحتى / 327 / من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، ويعتبر بوجه عام متهما ً فارا ً ويحاكم غيابيا ً ذلك الشخص الذي صدر بحقه قرار اتهام من مرجع قضائي مختص ، سواء ً أكان قاضي الإحالة ، أو قاضي التحقيق في الحالات التي أعطى فيها المشرع صلاحية الاتهام لقاضي التحقيق ، ثم يدعى هذا المتهم للمثول أمام محكمة الجنايات ويمتنع عن الحضور رغم استنفاذ المهل التي أعطته إياها المحكمة 0 وعليه يعتبر فارا ً ويحاكم محاكمة المتهم الفار ويصدر الحكم بحقه غيابيا ً كـل مـن :-

 

1-      المتهم الذي تعذر القبض عليه ونقله لمحكمة الجنايات تنفيذا ً لقرار القبض أو النقل 0

2-      المتهم الذي صدر بحقه قرار الاتهام ولم يبادر لتسليم نفسه والخضوع للمحاكمة الوجاهية 0

3-      المتهم الموقوف لدى محكمة الجنايات ويلوذ بالفرار قبل صدور الحكم 0

4-      المتهم المخلى سبيله من قبل محكمة الجنايات ويمتنع عن حضور جلسات المحاكمة اللاحقة لإخلاء سبيله 0

 

المتهم المحكوم غيابيا ً لا يحق له أن يطعن بالحكم الغيابي بالذات أو بواسطة وكيل ، سواء لجهة العقوبة ، أو لجهة الحقوق الشخصيه وسائر التضمينات المحكوم بها وعند صيرورة الحكم نافـذا ً تخضع أمواله للأصول المتبعة في إدارة أموال الغائب ، ولا تسلم هذه الأموال إليه أو إلى مستحقيها من بعده إلا عند سقوط الحكم الغيابي وفقا ً لما نصت عليه المادة / 328 / أصول جزائية 0

 

لكن متى يعتبر الحكم نافذا ً ؟ ذلك ما أجابت عليه المادتان / 329 و 330 / أصول جزائيه اللتيـن نصتا على وجوب نشر خلاصة الحكم في الجريدة الرسمية خلال ثمانية أيام من تاريخ صدوره بمعرفة النائب العام وبذلك يصبح هذا الحكم نافذا ً اعتبارا ً من اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية 0

 

في مدة وجود أموال المتهم الغائب تحت يد الحكومة تـُعطى زوجته وأولاده ووالداه ومن يعولهم شرعا ً نفقة شهرية من واردات أملاكه تعينها المحكمة المدنية العائد إليها الأمر كما يجوز للمدعي الشخصي أن يستصدر من المحكمة ذاتها قرارا ً باستيفاء مقدار مؤقت من التعويضات المحكوم بها في مقابل كفالة أو بدونها 0 ذلك ما نصت عليه المادة / 332 / أصول جزائية 0

جدير بالذكر أنه إذا سلم المتهم نفسه إلى المحكمة ، أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة بالتقادم يعتبر الحكم وسائر المعاملات الجارية في غيابه ملغاة حكما ً وتعاد محاكمته وفقا ً للأصول العاديه وهو ما نصت عليه المادة / 333 / أصول جزائيــة 0

 

بعد هذه المقدمه الموجزه عن محاكمة المتهم الفار ولأهمية البحث الموضوعي في تنفيذ الحكم الغيابي لجهة الحقوق الشخصية وما يستتبعه ذلك من إجراءات ، وما يلاقيه من عثرات ، خصصنا هذا البحث لتسليط الضوء على الحكم الغيابي بهذا الصدد آملين أن نخلص إلى مقترحات قد تكون ذات جدوى عمليه في تعديل بعض النصوص النافذة بما ييسـر لأصحاب الحقوق الشخصية الحصول على حقوقهم بأسرع وقت ممكن 0 هذا من جهـة   0

 

 

 

ص //   2   //

 

ومن جهة أخرى فإننا إذ نطرح هذا الموضوع للبحث ونتقدم ببعض المقترحات 0 فإننا لنأمل من رجال الفكر القانوني المساهمة وإغناء هذا البحث بالدراسات والمقترحات التي من شأنها تصويب النصوص القانونية التي تحكمه سيما وأن قانون أصول المحاكمات الجزائية قد يخضع للتعديل في الكثير من نصوصــــه   0

 

الإدعاء بالحقوق الشخصية أمام القضاء الجزائــــي :-

 

الحقوق الشخصية مصونة في القانون ، ومن حق كل متضرر من جرم جزائي أن يطالب بحقوقه الشخصية أمام القضاء الجزائي المختص ما دام الضرر اللاحق به ناتج عن فعل يعاقب عليه بموجب التشريعات النافذة ،   هذا باستثناء بعض الجهات القضائية التي حجب عنها المشرع حق النظر بالحقوق الشخصية والحكم بها ، ومن ذلك القضاء العسكري ومحكمة الإرهاب 0

 

المشرع وبموجب نصوص واضحة في قانون أصول المحاكمات الجزائية أعطى للمتضرر الحق بإقامة دعوى الحق الشخصي تبعا ً لدعوى الحق العام وفقا ً لما يلي :-

 

المادة / 4 / منـه نصـت علـى مـا يلـــي :-

 

يحق لكل متضرر إقامة دعوى الحق الشخصي بالتعويض عن الضرر الناتج عن الجرائم   0

 

المادة / 5 / منـه نصـت علـى مـا يلــي :-

 

1-      يجوز إقامة دعوى الحق الشخصي تبعا ً لدعوى الحق العام أمام المرجع القضائي المقامة لديه        هذه الدعوى ، كما تجوز إقامتها على حده لدى القضاء المدني ، وفي هذه الحال يتوقف النظر   فيها إلى أن تـُفصل دعوى الحق العام بحكم مبرم 0

2-      إذا أقام المدعي الشخصي دعواه لدى القضاء المدني ، فلا يسوغ له العدول عنها وإقامتها لدى       المرجع الجزائــي 0

3-      لكن إذا أقامت النيابة العامة دعوى الحق العام جاز للمدعي الشخصي نقل دعواه إلى المحكمة         الجزائية ما لم يكن القضاء المدني قد فصل فيها بحكم في الأساس 0

 

بعد هذا العرض للنصوص التي تحكم حق الإدعاء الشخصي لدى القضاء الجزائي ، نعود للبحث بضروراتها ومزاياها وفقا ً لقراءتنا لقانون أصول المحاكمات الجزائية   0

 

قانون أصول المحاكمات الجزائية على قدر كبير من الأهمية على اعتبار أنه يضع قواعد للمحاكمات متعلقة بحياة الإنسان وحريته وأمواله ، وهو بالتأكيد يهدف لحماية المجتمع وأفراده من كل ما يهدد أمنه واستقراره 0

 

المشرع إذ أعطى بموجب هذا القانون حق إقامة دعوى الحق الشخصي تبعا ً لدعوى الحق العام ، فإنما أراد من ذلك مـا يلـي :-

 

 

ص //     3     //

 

1-      إيصال المتضرر من جرم جزائي بأسرع وقت إلى حقوقه على اعتبار أن إجراءات التقاضي أمام   القضاء الجزائي أسرع منها أمام القضاء المدني   0

2-      ترافق دعوى الحق الشخصي مع دعوى الحق العام قد يهدد الفاعل بالعقوبة الأشد ، ما قد يدفعه     لإجراء المصالحة مع الجهة المدعية أو إعادة حقوقها إليها   0

3-      غياب المطالبة بالحقوق الشخصية أمام القضاء الجزائي قد يتيح للمحكمة الناظرة بالدعوى منح      الأسباب المخففه التقديرية التي تستخلصها من عدم وجود إدعاء شخصي 0

4-      لوجود المدعي الشخصي وحضوره في الدعوى أهمية كبيرة على اعتبار أنه يساعد النيابة العامة    في تقديم الأدلة والتعرف على شخصية الفاعل ، وبالتالي إثبات الدعوى 0

 

لكن هل المتضرر ملزم بسلوك الطريق الجزائي ؟ وهل هذا الطريق هو الأسرع بالفصل في حقوقه ؟ وماذا لو سلك الطريق المدني ؟ أسئلة أجابت عليها المادة / 5 / أصول جزائية ، فهي إذ أجازت للمتضرر إقامة دعوى الحق الشخصي على حده لدى القضاء المدني ، فقد قيدته بوقف النظر فيها إلى أن تـُفصل دعوى الحق العام بحكم مبرم 0 ذلك ما يطلق عليه في القضاء المدني بالمسألة المستأخره التي يحكمها نص المادة / 164 / أصول مدنية والتي جاء فيها :-

 

1-      في غير الأحوال التي نص فيها القانون على وقف الدعوى وجوبا ً أو جوازا ً يكون للمحكمة أن      تقرر وقفها كلما رأت تعليق حكمها في موضوعها على الفصل في مسألة أخرى ، يتوقف عليها          الحكم 0

2-      بمجرد زوال سبب الوقف تستأنف الدعوى بقوة القانون سيرها من النقطه التي وقفت عندها 0

 

بصدد ذلك نقول : إذا كان الاجتهاد قد استقر لدى القضاء المدني على أنه يمكن للمحكمة المدنية الفصل بالدعوى إذا كانت المسألة التي ترى تعليق حكمها عليها من الممكن استخلاص حكمها من أوراق الدعوى المعروضة عليها 0 إلا أن الكثير من القضايا المدنية الناشئة عن جرم جزائي لا يمكن للقضاء المدني الفصل بها موضوعا ً قبل البت بها من المحكمة الجزائية وإبرام الحكم ، ومن ذلك على سبيل المثال جرائم القتل ، وجرائم السرقه ، وجرائم السلب بالعنف ، وجرائم الخطف 000 الخ خاصة إذا كان المتهم أو المدعى عليه يجادل في صحة ما ينسب إليه ، في حالات من هذا النوع لا بد للمحكمة المدنية من إعمال أحكام المادة / 164 / أصول مدنية بوقف السير بالدعوى انتظارا ً لصدور الحكم النهائي في القضية الجزائية ذات العلاقة بالموضوع إياه 0 وعندئذ تستأنف الدعوى المدنية   سيرها ، هذه الإجراءات تؤخر البت بحقوق المتضررين من الفعل الجزائي ، ولذلك قد يجدوا من الأجدى لهم اتباع الطريق الجزائي للمطالبة بحقوقهم ، وبالتالي الحكم بالعقوبة وبالحقوق الشخصية بحكم واحد وإجراءات واحـده 0

 

تنفيذ الأحكام الجزائية لجهـة الحقـوق الشـــخصية :-

 

النصوص المشار إليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية إذ أعطت للمتضرر الحق بسلوك الطريق الجزائي للمطالبه بحقوقه ، فهي لم تتطرق إلى سبل تنفيذ هذه الأحكام ، على اعتبار أن الكتاب الثاني من قانون أصول المحاكمات المدنية ، الذي هو القانون العام بهذا الصدد قد نظم ذلك 0

 

 

 

ص //     4   //

 

بالعودة إلى النصوص الخاصة بتنفيذ الأحكام القضائية في قانون أصول المحاكمات المدنية

 

يتضح مـا يلـــي :-

 

–        أن المادة / 273 / منه نصت علـى مـا يلــــي :-

 

التنفيذ الجبري لا يكون إلا لسند تنفيذي 0

 

الأسناد التنفيذية هي الأحكام والقرارات والعقود الرسمية والأوراق الأخرى التي يعطيها القانون     قـوة التنفيــذ 0

 

–        أن المادة / 289 / منه نصـت علـى مـا يلـــي :-

 

1-      لا يجوز تنفيذ الأحكام جبرا ً ما دام الطعن فيها بالاستئناف جائزا ً إلا إذا كان النفاذ المعجل منصوصا ً عليه في القانون أو محكوما ً بــه 0

 

2-      لا يجوز تنفيذ الأحكام الجزائية المتعلقة بالحقوق الشخصية ما لم تصبح مبرمـــة 0

 

من النصوص آنفة الذكر ، وإذا ما استثنينا حالة الحكم بالنفاذ المعجل التي تملك المحاكم الجزائية الحكم به إذا طلبه المدعي الشخصي ووجدت في طلبه ما يستوجب ذلك 0   فإن الأحكام الجزائية لا تصلح للتنفيذ ما لم يكتسب الحكم الدرجة القطعية ، أو يصدر مبرمـا ً   0

 

وإذا كانت الأحكام الجزائية الوجاهية الصادرة عن محاكم الجنايات في جناية تنبرم في مرحلة من المراحل فهل لنا أن نتصور انبراما ً للحكم الغيابي ؟ ومتى يكون هذا الإنبرام ؟ وما تأثير الزمن وتأخير التنفيذ على مصالح وحقوق المتضررين ؟

 

من المؤكد أن الحكم الغيابي يتصف باستمراره مؤقتا ً إلى أن يسلم المحكوم عليه نفسه أو يقبض عليه وفقا ً لما نصت عليه المادة / 333 / أصول جزائيه وعندئذ تسقط العقوبة وسائر المعاملات الجارية في المحاكمة الغيابية وبذلك يسقط الحكم بالتعويض أيضا ً ، وسائر التضمينات وتعاد المحاكمة وجاهية وبإجراءات وأدلة جديدة   0

 

نقول : أن المشكلة الأساسية تبقى باستمرارية الحكم الغيابي مؤقتا ً إلى زمن طويل ، وهنا تبقى التساؤلات التي طرحناها آنفا ً مجرد تساؤلات تنتظر الإجابة والحلول ،   ولعلنا من خلال هذا البحث نصل إلى تفسير لبعض نصوص القانون يقلل من تشددها ، بل قد نصل إلى مقترحات تجعل النصوص أكثر مرونة في هذا الموضوع 0 وإننا لنجد أيضا ً من الجدير بالبحث التعليق على مشروعية الحكم بالنفاذ المعجل لجهة الحقوق الشخصية عند إصدار الأحكام الجنائية الغيابية وعليه نبحث بالعناوين التالية تعليقا ً وجوابا ً بأمل أن نكون موفقين في مسعانا هذا   0

 

 

 

ص //   5   //

 

متـى ينبـرم الحكـم الغيابـــــــي ؟

 

من خلال استعراضنا للنصوص الخاصة بمحاكمة المتهم الفار من وجه العدالة ، وإصدار الحكم 0

يتبين عدم وجود نص صريح يبين موعدا ً لإنبرام هذا الحكم 0 فالحكم الغيابي يستمر مؤقتا ً وقابلا ً للإلغاء إلى أن يسلم المحكوم عليه نفسه أو يقبض عليه قبل سقوط العقوبة بالتقادم 0 ذلك ما نصت عليه المادة / 333 / أصول جزائية والتي جاء فيها :

 

(( إذا سلم المتهم الغائب نفسه أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة المحكوم بها بالتقادم فيعتبر الحكم وسائر المعاملات الجارية اعتبارا ً من إصدار مذكرة القبض ، أو قرار المهل ، ملغاة حكما ً ، وتعاد المحاكمة وفقا ً للأصول العاديــة ))   0

 

فهناك من استنتج من عبارة سقوط العقوبة بالتقادم تاريخـا ًً لإنبرام الحكم وبذلك قال الكثير من فقهاء القانون ومنهم الدكتور حومـد 0 وقد جاء في هذا الرأي الفقهي مـا يلــي :-

 

(( إذا كانت العقوبة سقطت بالتقادم ، فإن الحكم الغيابي يصبح نهائيا ً ، لذلك لا تجوز المحاكمه مرة ثانية ، وتعاد للمحكوم عليه أمواله ، ويقدم له الوصي حسابا ً عن إدارتـه 0 ولكن إذا لم يعد ممكنا ً تنفيذ العقوبة الجسديه لسقوطها بالتقادم ، فإن الجوانب القابلة للتنفيذ يجب أن تنفذ ، ومن ذلك الحكم بالإلزامات المدنية والتعويض والحرمان من بعض الحقوق ))

 

الرأي الفقهي المشار إليه يتوافق مع ما يمكن استخلاصه بالمفهوم المعاكس لما نصت عليه المادة / 441 / أصول جزائية والتي جاء فيها   :

 

(( إذا حكم على شخص بالوجه الغيابي وسقطت بالتقادم العقوبة المحكوم بها عليه ، فلا يسوغ له في مطلق الأحوال أن يطلب من المحكمة إبطال محاكمته الغيابية ورؤيـة الدعوى بحقه مجددا ً 0 ))

 

من هذا النص يمكن استخلاص مبدأ انبرام الحكم الغيابي سيما إذا كان الحكم الغيابي يشتمل على الإلزامات المدنية ، والتعويض أو على أحدهما مما حجب المشرع عـن المحكوم عليه حق إعادة رؤية الدعوى بصددها شأنها في ذلك شأن العقوبة الساقطه بالتقادم ، وبهذا الصدد نشير إلى أن تقادم العقوبة يختلف عن تقادم الحقوق الشخصية المحكوم بها وذلك ما سنبحثه لاحقـا ً   0

 

نحن إذ نستحسن ما ذهب إليه الرأي الفقهي بهذا الخصوص باعتباره يسد ثغرة في التشريع ، فإننا لنؤكد عدم وجود نص قانوني صريح يقول بانبرام الحكم ، وبعدم وجوده يبقى قبول الرأي الفقهي أو عدم قبوله مسألة متروكه لاجتهاد القضاة ، هذا الاجتهاد الذي قد يتباين في الغالب ، وعليه فإننا لنشير إلى قصور في النص جدير بالاستدراك وذلك ليس بعسير بعد هذا الزمن الطويل من العمل القضائي بالنصوص الحالية وما استطلعه الاجتهادان الفقهي والقضائي من آراء في هذا الخصوص 0

 

نعود لقاعدة انبرام الحكم الغيابي ، وما دام الاجتهاد الفقهي يقول بانبرام هذا الحكم عند سقوط العقوبة المحكوم بها بالتقادم ، فإن ذلك يستدعينا البحث بتقادم العقوبة ومن ثم تقادم الحقوق الشخصية المحكوم بها   0

 

ص //   6     //

 

 

تقــادم العقوبـة الجنائيـة المحكـوم بهـــا

 

العقوبات تتقادم بمرور الزمن وفقا ً لما هو محدد في القانون ، وقد حدد المشرع السوري مدد التقادم بموجب أحكام قانون العقوبات وقد نصت المادة / 162 / منه على ما يلـي :-

 

1-      مدة التقادم على عقوبة الإعدام والعقوبات الجنائية المؤبده خمس وعشرون سنة 0

 

2-      مدة التقادم على العقوبات الجنائية المؤقته ضعف مـدة العقوبة التي حكمت بها المحكمة على         ألا تتجاوز عشرين سنة أو تنقص عن عشر سنوات 0

 

3-      مدة التقادم على أية عقوبة جنائية أخرى عشر سنوات 0

 

4-      يجري التقادم من تاريخ الحكم إذا صدر غيابيا ً ومن يوم تملص المحكوم عليه من التنفيذ إذا كان     الحكم وجاهيا ً 0

 

إذا تملص المحكوم عليه من تنفيذ عقوبة مانعة أو مقيدة للحرية أسقط نصف مدة العقوبة التي نفذت فيه من مـدة التقادم   0

 

الواضح مما نصت عليه المادة / 162 / عقوبات أن المشرع إذ حدد مهل التقادم للعقوبات الجنائية فإنه وبموجب الفقرة / 4 / منها اعتبر سريان التقادم على العقوبة المحكوم بها غيابيا ً من يوم صدور الحكم الغيابي ، سواء في ذلك أكانت العقوبة الإعدام ، أو كانت مؤبدة أو مؤقتة وهذا التقادم هو من النظام العام وباكتماله يغدو من غير الجائز تنفيذ العقوبة أو إعادة رؤية الدعوى حتى لو طلب ذلك المحكوم عليه ، وفقا ً لأحكام المادة / 441 / أصول جزائية التي نصت على مـا يلـي :-

 

(( إذا حكم على شخص بالوجه الغيابي وسقطت بالتقادم العقوبة المحكوم بها عليه فلا يسوغ لـه في مطلق الأحوال أن يطلب من المحكمة إبطال محاكمته الغيابية ورؤية الدعوى بحقه مجددا ً ))

 

ذلك هو تقادم العقوبة في الحكم الغيابي ، فما هو تقادم الحقوق الشخصية المحكوم بها بموجبه ؟ وهل تتقادم هذه الحقوق بتقادم العقوبة ؟ أم أن لها تقادما ً خاصا ً بها 0 ذلك ما سنعرضه فيمـا يلـي :-

 

 

 

ص //   7   //

 

تقـادم الحقـوق الشـخصية المحكـوم بهــــا

 

التقادم المدني يختلف اختلافا ً بينا ً عن التقادم الجزائي ، اختلافا ً يشمل تقادم الدعوى وتقادم الحكم 0 والمشرع إذ أجاز للقضاء الجزائي حق النظر والفصل بدعوى الحق الشخصي تبعا ً لدعوى الحق العام وفقا للأصول النافذة ، فإنه لم يبحث بتقادم الحكم لجهة الحقوق الشخصية ، بل اكتفى بالعطف على تقادم الأحكام المدنية ، وذلك ما نصت عليه الفقرة / 1 / من المادة / 442 / أصول جزائية والتـي جــاء فيهــا :

 

(( تسقط التعويضات المحكوم بها في الدعوى الجزائيه بالتقادم المنصوص عليه للأحكام المدنية 0 ))

 

بالعودة إلى تقادم الأحكام القضائية المدنية يتضح أن المشرع أوردها في فصل التقادم المسقط بالقانون المدني 0 حيث نصت الفقرة / 2 / من المادة / 382 / علـى مـا يلـي :-

 

(( إذا حكم بالدين وحاز الحكم قوة القضية المقضية ، أو إذا كان الدين مما يتقادم بسـنة واحدة وانقطع تقادمه بإقرار المدين ، كانت مدة التقادم الجديد خمس عشرة سنة ، إلا أن يكون الدين المحكوم بـه متضمنا ً لإلتزامات دوريـه متجددة لا تستحق الأداء إلا بعد صدور الحكم 0 ))

 

بمعنى أن الأحكام المدنية ، والأحكام الجزائية المشتمله على حقوق شخصية محكوم بها تسقط بالتقادم الطويل الذي هو خمس عشرة سنة تلي تاريخ اكتساب هذه الأحكام قوة القضية المقضيـة 0

 

لكن يبقى التساؤل قائما ً عن تاريخ انبرام الحكم الغيابي في الجنايات لجهة الحقوق الشخصية ، حيث سبق ونوهنا أن هذا الحكم يصدر قابلا ً للإلغاء حتى سقوطه بالتقادم 0

 

والجواب المنطقي أن التعويض المحكوم بـه لا يمكن التنفيذ فيه ما دام الحكم الجزائي لم يكتسب الدرجة القطعية وفقا ً لما أشارت إليه المادة / 289 / أصول مدنية بمعنى أن هناك عائق يمنع المحكوم له من مباشرة إجراءات التنفيذ ولا يسري التقادم على حقوقه المحكوم بها ما دام الحكم الغيابي قابلا ً للإلغاء 0 وقد قنن المشرع ذلك بالمادة / 279 / من القانون المدني حيث نصت الفقرة / 1 / منا على مـا يلـي :-

 

(( لا يسري التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبيا ً 000 ))

 

نخلص بالنتيجة وبحسب الرأي الفقهي إلى أن الحكم الغيابي في الجناية يكتسب الدرجة القطعية بسقوط العقوبة بالتقادم ، وبالتالي وإثـر تقادمها يصبح الحكم الغيابي صالحا ً للتنفيذ لجهة الحقوق الشخصية المحكوم بـها ويبـدأ تقادم الحكم وفقا ً للنصوص القانونية المشـار إليهـا آنفــا ً   0

 

 

 

 

ص //   8   //

 

النفاذ المعجل وجواز الحكم بـه في القضايا الجزائيــة

 

سبق وأشرنا إلى أن المادة / 289 / أصول مدنية نصت على أنه لا يجوز تنفيذ الأحكام جبرا ً   ما دام الطعن فيها بالاستئناف جائزا ً ، إلا إذا كان النفاذ المعجل منصوصا ً عليه في القانون أو محكوماً بـــه 0

 

فالنفاذ المعجل هو استثناء من القاعدة العامة في التنفيذ ، على اعتباره تنفيذا ً للأحكام قبل أن تكتسب قوة الشيء المحكوم بـه 0 ولهذا يوصف بأنه معجل   0

 

المشرع أوجد قاعدة النفاذ المعجل لاعتبارات معينه فمنها ما يتعلق بقوة المستند المحكوم بموجبه ، ومنها مايتعلق بطبيعة الاستعجال في القضية ، ومنها حالات أحاط فيها المحكوم له برعاية خاصة 0

 

النفاذ المعجل وكما هو صريح المادة / 289 / أصول مدنية على نوعين نفاذ معجل بقوة القانون أي منصوص عليه بالقانون ، ونفاذ معجل محكوم به من قبل المحكمة مصدرة الحكم في الموضوع وذلك متروك لحسن تقدير المحكمة تحكم بـه إذا طلبه الخصم في الدعوى ، وإذا كان القضاء المدني ينفذ الأحكام المشار إليها ، فهل للقضاء الجزائي الحق بالحكم بالنفاذ المعجل ؟ وهل لمحاكم الجنايات أن تحكم بـه عند الحكم بالتعويض فيما لو طلب المدعي الشخصي ذلك ؟ والجواب هو التالــــي :-

 

من استعراض نصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية يتضح أن المشرع أعطى للمحاكم الناظره بالقضايا الجنحية هذا الحق بنصوص صريحة ، ففي الباب الرابع منه الخاص بأصول المحاكمات لدى المحاكم البدائية نصت المادة / 197 / علـى مـا يلــي :-

 

1-      إذا ثبت أن المدعى عليه ارتكب الجرم المسند إليه حكمت عليه المحكمة بالعقوبة وقضت في          الحكم نفسه بالإلزامات المدنيـة 0

2-      ويسوغ للمحكمة أن تقرر في الوقت ذاته للمدعي الشخصي مقدارا ً مؤقتا ً من التعويضات ويكون   حكمها لهذه الجهة معجل التنفيذ 0

 

وفي الباب الخامس الخاص بأصول المحاكمات لدى محاكم الصلح نصت المادة / 216 / على أن تطبق أمام محاكم الصلح القواعد والأصول المنصوص عليها في الباب السابق 0 بمعنى أنها تملك ذات الصلاحيه المعطاة لمحاكم البدايـة 0

 

ومن الجدير بالذكر أن محاكم الاستئناف تملك ذات الصلاحية إذا كان الطلب إيـاه أحد أسباب الاستئناف على اعتبارها مرجعا ً استئنافيا ً لأحكام محاكم الدرجة الأولـى 0

 

أما في أصول المحاكمه لدى المحاكم الجنائية بشكل عـام ومحاكمة المتهم الفـار بشكل خـاص لم نجد نصا ً صريحا ً يجيـر لهذه المحاكم الحكم بالنفاذ المعجل حين الحكم بالتعويض 0 فهل يحق لها الحكم بـه إذا طلبـه المدعـي الشـخصي ؟

 

 

 

ص //     9     //

 

والجواب هو أن محكمة الجنايات هي محكمة موضوع ، وما دامت تملك حق الحكم بالتعويضات تبعا ً لدعوى الحق العام فهي تملك حق إعطاء الحكم صفـة النفاذ المعجل في جزء منـه ما دامت الاعتبارات التي تعتمدها تتوافق مع الاعتبارات التي اعتمدها المشرع لجواز الحكم بالنفاذ المعجل 0 خاصة وأن الأضرار التي تنجم عن ارتكاب الجناية تكون أكبر وأشد وقعا ً على المتضرر من الأضرار الناجمة عن الجنـح هـذا مـن جهــة 0

 

ومن جهة أخرى فإن الاجتهاد القضائي قد استقر على أن ما لم يرد عليه نص في قانون أصول المحاكمات الجزائية يصار إلى تطبيق أحكام أصول المحاكمات المدنية عليـه –

 

لكن ومع احترامنا للقواعد الاجتهادية ، فهي تبقى اجتهادا ً يطبق أحيانا ً ويستبعد أحيانا ً أخرى ، وما دام المشرع اعتمد صريح النص في القضايا الجنحية كما سبق ونوهنا ، فما الذي يمنع من إيجاد نص مماثل تطبقه محاكم الجنايات سواء أكانت المحاكمة وجاهية أو غيابية ما دامت الأسباب الموجبة لمثل هذه النصوص واحدة ؟ 0 لا شك أن عدم وجود هكذا نص هو قصور في التشريع 0

 

ومن جهة أخرى فإن وجود نص صريح بذلك يقطع دابـر كـل خلاف في الرأي والاجتهاد حول هذا الموضوع ، ويخفف عن المتضرر المحكوم لـه أعبـاء مراجعة القضاء المدني الذي نصت عليه المادة / 332 / أصـول جزائيــة 0

 

تعدد الأحكام الغيابية في الموضوع الواحـد وآثـارهـا

 

من استعراض النصوص القانونية الخاصة بمحاكمة المتهم الفـار ، يتبين وجوب محاكمته غيابيا ً كلما فـر من وجه العدالة ، حتى ولو تعددت حالات الفرار في القضية الواحدة 0 بمعنى أنه لو قدم موقوفا ً لمحكمة الجنايات لأول مرة ، ثم وقبل صدور الحكم أخلي سبيله وامتنع عن الحضور فسيحكم غيابيا ً 0 وبعدئذ لو قبض عليه أو سلم نفسه تنفيذا ً للحكم الغيابي تعاد محاكمته ثانية ، فإذا ما تمكن من الفرار قبل صدور الحكم سيصدر الحكم بحقه غيابيا ً ، وهكذا إلى ما لا نهاية ما دام هذا المتهم يستطيع الفرار قبل صدور الحكم 0

 

لا شك أن للمحاكمه الغيابيه وإعادتها وتعددها آثـارا ً سلبية كبيرة ، وقبل البحث بهذه الآثـار نضع فرضيتين :-

 

الأولى : أن تكون العقوبة مؤقته بخمس سنوات مثلا ً ، فهي تتقادم بعشر سنوات ، فلو أنه قبض على      المحكوم عليه بعد تسع سنوات من صدور الحكم لوجبت إعادة محاكمته ، ثم لو تمكن من الفرار       قبل صدور الحكم يصدر الحكم غيابيا ً للمرة الثانية فإذا ما قبض عليه بعد تسع سنوات أخرى وجبت إعادة محاكمـة فيكون قد مضى على وقوع الجريمة أكثر من عشرين عاما ً إذا ما لوحظ مرور القضية في عدة مراحل منها التحقيق والإحالة والجنايات وصدور الحكم الوجاهي 0 أي أن العقوبة ستنفذ بعد أكثر من عشرين عاماً من وقوع الجريمة 0 فكيف إذا كانت العقوبة المؤقتة          أكثر من ذلك كما لو كانت تتقادم بعشرين سـنة ؟

 

 

 

ص //   10   //

 

الثانية : أن تكون العقوبة الإعدام أو المؤبد ، فهاتان العقوبتان تتقادمان بخمس وعشرين سنة 0 فإذا      تكررت حالات الفرار مرتين وقبض على المحكوم عليه في كل منهما بعد عشرين سنة من   صدور الحكم لاستمرت محاكمته أكثر من أربعين عاما ً 0 بمعنى أن العقوبة ستنفذ بعد أربعين          عام من وقوع الجريمة 0

 

في المثالين أو الفرضيتين السابقتين بينا مـددا ً يطول فيها الزمن لتنفيذ العقوبة بسبب تعثر المحاكمة الوجاهية وهي مدد قد تكون أكثر مما ذكرنا أو أقل ، ذلك مـا تحـدده سرعة القبض على المحكوم عليه أو تأخرها 0

 

قد يقول قائل تلك فرضيات 0 ونحن نقول أن التشريعات العقابية وأصول المحاكمات وضعت على أسس من هذا القبيل 0 فما افترضناه في مثالينـا السابقين ممكن الحصول ،   ومعالجة وضع من هذا القبيل ضرورة تشريعية 0

 

بعد هذا العرض الموجز ، نعود للبحث بالآثار الناجمة عن تأخر تنفيذ الحكم الغيابي 0 فلا شك أن لتأخـر التنفيذ أثـارا ً سلبية كبيره منهـا مـا يلــي :-

 

أولا ً : آثـار تنفيـذ العقوبـــــة :

 

1-      لتنفيذ العقوبة وقع جيد في الوسط الاجتماعي الذي وقعت فيه الجريمة ، وفيه ردع لمن تسول له    نفسه ارتكاب الجرائــم 0

هذا الأثر لا يتحقق إذا طال الزمن لعقود ، فقد يتغير الوسط الاجتماعي ، وقد يكبر المجرم      بالسن فلا تلقى العقوبة التأييد الاجتماعي الذي كانت تلقاه عند وقوع الجريمة 0

2-      المجنى عليه وورثته من بعده قد يجدون في تنفيذ العقوبة ما يريح أنفسهم ، وما يمنعهم من التفكير بالانتقام ، أو استيفاء الحق بالذات 0 والحال لا يكون كذلك إذا طال الزمن والمجرم    خارج دائرة العدالـة 0

3-      بالزمن الطويل قد تتلاشى العقوبة كلا ً أو بعضا ً بسبب من أسباب سقوط الأحكام الجزائية           – وفـاةعفـو عـامتقـادم 0 وبذلك لا تتحقق الغاية التي أوجدها المشرع من فرض        العقوبات وتنفيذها 0

ثانيا ً : آثـار تنفيذ الحكم لجهة الحقوق الشـخصية :-

 

1-      الحكم بالحقوق الشخصية للمدعي فيه جبـر للضرر الذي وقع عليه بفعل المجرم ، وبالتالي فإن      سرعة التنفيذ تعيد لـه بعضا ً من حقوقه إن لم تكن كلها   0

2-      التأخير في التنفيذ كما هو الحال في الحكم الغيابي الذي لا ينبرم إلا بسقوط العقوبة بالتقادم ، قد      لا يعطي للمتضرر حقه فعلا ً للسببين التالييـــن :-

– التعويض المحكوم به قد يفقد قيمته الفعلية مع طول الزمن نتيجة لتراجع القيمة الشرائية للعمله

– مع طول الزمن قد يتوفى المجنى عليه ويصبح هذا التعويض إرثا ً وبتوارثه يغدو غير ذي         قيمة أيضا ً 0

وبذلك لا تتحقق الغاية المأموله من سلوك الطريق الجزائي في طلب التعويض ، هذا الطريق    الذي قد يكون مفروضا ً في كثير من الحالات كما سبق ونوهنا في مستهل هذا البحث 0

3-      مع طول الزمن قد تهلك أموال الجاني ويغدو من غير الممكن التنفيذ الجبري عليــه   0

ص //   11   //

 

مما تقدم يتبين أن الزمن الطويل الذي تستغرقه محاكمة المتهم الفـار وتنفيذ الحكم بحقه وفقا ً للأصول النافذة لا يحقق الغاية التي توخاها المشرع من فرض العقوبات ، والحكم بالإلزامات المدنية وتنفيذها ،   بل قد تتيـح للمجرم الإفـلات من العقوبة ، والتهرب من الوفاء بالحقوق المحكوم بها للمتضررين 0

 

وما دمنا نتحدث عن حقوق المتضررين ، قد يقول قائل : بأن المادة / 332 / أصول جزائية أجازت للمدعي الشخصي بعد صدور الحكم الغيابي مراجعة المحكمة المدنية العائد لها الأمر لاستصدار قرار باستيفاء مقدار مؤقت من التعويضات المحكوم لـه بـــه   0

 

عـن ذلـك نجيـب بمــا يلــــي :-

 

1-      بمراجعة المحكمة المدنية بعد صدور الحكم الغيابي عـبء جديد على المدعي الشخصي   0

2-      إن قرار المحكمة المدنية جاء في المادة المذكورة أعلاه على سبيل الجواز وليس الوجوب 0

3-      بفرض موافقة المحكمة المدنية ، فإن قرارها يقتصر على مقدار مؤقت من التعويض المحكوم به   وليس كله 0

4-      بل قد تفرض على المدعي الشخصي دفع كفالة مقابل قرارها المشار إليــه 0

 

وهنـا لا بـد لنـا أن نتســــــاءل :-

 

أما من حلول أفضل وأيسر ؟ أما آن الأوان بعد خمس وستين عاما ً على صدور قانون أصول المحاكمات الجزائية لإعادة النظر في أصول محاكمة المتهم الفــار ؟

 

بصــدد ذلــك نتقـــدم بالمقترحات التاليــــــة :-

 

المقترحــــــــــــــات :-

 

بعد هذا الاستعراض لواقع محاكمة المتهم الفـار ، وما خلصنا إليه من نتائج ، يحسن بنا أن نتقدم بما نراه مناسبا ً من مقترحات عسى أن تكون موضع ملاحظة عند البحث بتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية 0

 

هذا القانون الذي صدر في عام / 1950 / ورغم أنه خضع للتعديل مرات عديدة ، فإننا لنجد أنه أضحى بعد هذا الزمن الطويل بحاجة لإعادة صياغـة بما يواكب التطور الاجتماعي والاقتصادي ومستجدات الأحداث على ساحة الوطن 0 وتحويل القواعد الاجتهاديـة التي أوجدها القضاء خلال مسيرة عمله إلى قواعد قانونيه في التشريع الجديد ، آخذين بعين الاعتبار أن سرعة التقاضي وسرعة التنفيذ هما جزء هام من عدالـة الحكـــم   0

 

 

 

 

 

ص //   12   //

 

أمـا مقترحاتنــا فهــي التاليــــــــة :-

 

المقترح الأول : ويخص تطبيق أحكام أصول المحاكمات المدنية فيما لم يرد عليه نص بقانون أصول

المحاكمات الجزائية 0

 

الهيئة العامة لمحكمة النقض وبقرارها رقم / 1 / أساس / 47 / لعام / 1967 / اجتهدت بما يلي :

 

( في حال فقدان النص في قانون الأصول الجزائية يجب الرجوع إلى المبادئ العامة الواردة في     قانون الأصول المدنية التي يعمل بها في المحاكم الجزائيــة 0 )

 

نحــن نــرى ضـرورة تقنيــن هــذه القاعـــدة فـــي أصول المحاكمـات الجزائيــــة 0

 

المقترح الثاني : وهو يخص الحـد مـن تعــدد إعـادة محاكمة المتهـم الفـــار :

 

المادة / 333 / أصول جزائية نصت على إعادة محاكمة المتهم المحكوم غيابيا ً إذا سلم نفسه ،     أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة بالتقادم 0

هذا النص جاء على إطلاقـه ،   بمعنى أنه كلما تغيب صدر الحكم بحقه غيابيا ً ، وكلما    سلم نفسه أو قبض عليه يلغى هذا الحكم ، وسائر الإجراءات المتخذة وتعـاد محاكمتـــه   0

 

اقتراحنا هو قصر هذه الإجراءات على حكم غيابي واحد 0 بمعنى أنه إذا صدر الحكم       الغيابي بحقه وسلم نفسه أو قبض عليه طبقت عليه أحكام المادة / 333 / أصول جزائية لمرة        واحدة ، فإذا مـا فـر ثانيـة وصدر الحكم الغيابي بحقه بالقضية ذاتها وسلم نفسه أو قبض عليه فلا        يلغى الحكم ولا الإجراءات ، وإنما يعطى لـه حق الطعن بالنقض وتسـري مهلة الطعن اعتبارا ً          من اليوم التالي للقبض عليه أو تسليم نفسه 0

 

المقتـرح الثالــث : وهـو يخـص النفـاذ المعجـــل :

 

ما دام المشرع قد أعطى للمحاكم الناظرة بالقضايا الجنحيـة صلاحية الحكم بالنفاذ العجل     للحقوق الشخصية المحكوم بها ،   فإننا لنجد من الضرورة النص صراحة على صلاحية محاكم    الجنايات بذلك سواء أكانت المحاكمة وجاهية أو غيابية 0 وفي ذلك استبعاد للإجراءات المعقدة التي نصت عليها المادة / 332 / أصول جزائية 0

 

المقتـرح الرابـع : وهــو يخـص إجـراءات التبليــــغ :-

 

من غير المنطقي أن يفرض على المحكوم لـه بالحقوق الشخصية الانتظار زمنـا ً طويـلا ً   لتحصيـل حقوقـه   0

 

 

 

 

ص //     13   //

 

لذلك نقترح إعطاءه الحق بنص صريح بتبليغ الحكم للمحكوم عليه غيابيا ً وفق أصول        التبليـغ المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات المدنية ، وبحيـث يصبـح الحكـــم قطعيـا ً

لجهة الحقوق الشخصيه إذا لم يسلم المحكوم عليه نفسه أو يقبض عليه خلال مهلة ثلاثين يوما ً تلي تاريخ التبليغ   0

 

في الختام نأمل أن نكون وفقنا فيما عرضنا وما خلصنا إليه من مقترحـــات   0

 

والســـــــــــــــــــــــــلام

حمـص فـي / 1 / 10 / 2015 /

 

 

                                                                                رئيس فرع نقابة المحامين بحمـــص

                                                                                 المحامــي

                                                                             ســــليمان رضــــــوان